كتبت صحيفة الأخبار مؤخراً في تقرير لها أنه بعد إلغاء "اتفاقية خور عبد الله" بين العراق والكويت، شهد البرلمان العراقي، الأسبوع الماضي، تحركاً برلمانياً لتقديم استئناف إلى المحكمة الاتحادية ضد عدد من الاتفاقيات الدولية، بينها الاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن.
جاء إلغاء "اتفاقية خور عبد الله" الخاصة بتنظيم الشحن بين العراق والكويت من قبل المحكمة الاتحادية العليا، لأن هذه الاتفاقية مخالفة للدستور، لأنه تمت الموافقة عليها بالأغلبية البسيطة من النواب وليس بأغلبية الثلثين.
تسمح المادة 161 من الدستور بتقديم الطعون البرلمانية فيما يتعلق بالاتفاقيات التي تم التصديق عليها، بما في ذلك الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة.
في عام 2008، وقّع العراق والولايات المتحدة على "اتفاقية الإطار الاستراتيجي"(SOFA)، لتنظيم وجود القوات الأمريكية في العراق، لكن في 5 يناير 2020، وبعد اغتيال الشهيدين اللواء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس على يد الولايات المتحدة، صوّت البرلمان العراقي بالأغلبية على سحب القوات الأمريكية. لكن السلطات في واشنطن لم تلتزم بهذا القانون حتى الآن، وقد أدى هذا الموضوع إلى تفاقم التوتر بين الولايات المتحدة ومجموعات المقاومة.
بنود اتفاقية بغداد-واشنطن
في الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة، تم التأكيد على أن القوات القتالية الأمريكية يجب أن تبدأ بالانسحاب من المدن والقرى في حزيران 2009، ويجب سحب كل القوات الأمريكية بحلول 31 كانون الأول 2011 على أبعد تقدير، ويجب أن تحلّ القوات العراقية محلها.
في ذلك الوقت، كان الأمريكيون، الذين تكبدوا تكاليف باهظة للبقاء في العراق، غادروا هذا البلد مضطرين، لكن لم يمض وقت طويل حتى أنه مع هجوم تنظيم "داعش" الإرهابي على المحافظات الغربية للعراق عام 2014، عاد الآلاف من القوات العسكرية الأمريكية إلى العراق بحجة مواجهة الإرهابيين.
حسب تقرير "الأخبار"، تتحدد العلاقات الأمريكية العراقية حالياً باتفاقيتين: الأولی هي "اتفاقية الإطار الاستراتيجي"، التي تشمل تطبيع العلاقات بين الجانبين في المجالات الاقتصادية والدبلوماسية والثقافية.
والثانية هي "الاتفاقية الأمنية" التي تحدد إطار العلاقات الأمنية بين البلدين، ومدة الوجود الأمريكي وأنشطته والانسحاب النهائي من العراق.
ورغم انسحاب القوات الأمريكية من العراق عام 2011، إلا أن الاتفاقية الأمنية فتحت الباب أمام التدخل الأمريكي في شؤون العراق الداخلية، وبعد 14 عاماً تزايدت هذه التدخلات، ويحاول القادة العراقيون تقصير يد واشنطن التدخلية بقرار جماعي.
وبهذا الصدد، قال عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي "رائد المالكي" في تصريح له: إن "حكم المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستورية قانون الموافقة على اتفاقية خور عبد الله الملاحية مع الكويت، سيفتح باب الاستئناف على عدد من الاتفاقيات".
تجدر الإشارة إلى أنه في عام 2015، حاول البرلمان العراقي إلغاء هذه الاتفاقية عندما أصدر قانوناً ينظم عقد المعاهدات، وأهمها اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي صوّت عليها النواب عام 2008.
لكن حسب قانون الاتفاقيات الدولية الجديد، لم يتمكن هذا الاقتراح من الحصول على أغلبية الثلثين في البرلمان استناداً إلى المادة 61 من الدستور، وبالتالي لم تقبله المحكمة الاتحادية العليا.
إلا أن المحكمة العليا العراقية كانت قد تركت ثغرةً لإعادة التصويت عام 2015 قبل إقرار قانون المعاهدات، وأكد رائد المالكي في هذا الصدد، أنه "إذا تم الطعن في الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة أمام المحكمة الاتحادية، فيمكن استخدام الحجة نفسها لإبطالها، لكن حتى الآن لم يتم تقديم أي استئناف".
إمكانية الفوز مرةً أخرى في البرلمان
رغم أن طلب الاستئناف لم يرسل بعد إلى المحكمة العليا، لكن بما أن العديد من المجموعات السياسية كانت تبحث عن ذريعة لإلغاء جميع الاتفاقيات مع الولايات المتحدة في السنوات الثلاث الماضية، يبدو أن الظروف قد توافرت لها، ويمكنها استغلال هذه الفرصة لمواجهة سياسات واشنطن المزعزعة للاستقرار.
حسين العامري، عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، قال لـ"الأخبار" في هذا الصدد: إن "البرلمان صوّت على إنهاء وجود القوات الأجنبية في العراق، بما فيها القوات الأمريكية المقاتلة، لكن حكومة رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، وقعت اتفاقاً مع واشنطن حيث يكون لقوات التحالف كل أنواع المهام الاستشارية والتدريبية للقوات العراقية".
كما أكد العامري أن موقف النواب هو الرفض بشكل قاطع للوجود الأمريكي في العراق، وأضاف: "لدينا العديد من الخيارات لدعم القرارات في المحكمة الفيدرالية، فيما يتعلق بالاتفاقيات المبرمة مع واشنطن"، وصرح هذا النائب العراقي، أن "العراق ليس بحاجة إلى قوات قتالية، وهذا ما صرحت به الحكومة أكثر من مرة، وهو ما يجب مراجعته".
وبما أن أغلبية مقاعد البرلمان أصبحت الآن في أيدي فصائل المقاومة وحلفائها، فإنه في حال إثارة الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة في البرلمان، فإن أمل واشنطن في إعادة البرلمانيين التصويت على هذه الخطة سيكون ضعيفاً جداً، وفي هذه الحالة لن يكون هناك أي سبب لوجود القوات الأجنبية، ورغبة الشعب العراقي وقياداته هي انسحاب المحتلين من بلادهم.
لأن العراقيين يعتبرون الولايات المتحدة السبب الرئيسي للأزمات السياسية والأمنية في هذا البلد، وبقطع أيديهم عن التدخل في شؤون العراق الداخلية، سينعم هذا البلد بالاستقرار والسلام.
مخاوف من التوتر السياسي بين العراق وأمريكا
على الرغم من الجهود التي يبذلها النواب العراقيون لإنهاء أي اتفاقيات مع الولايات المتحدة، إلا أن بعض العراقيين يشعرون بالقلق من عواقب هذا الإجراء.
وفي هذا الصدد، يعتقد يادكار محمود، عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب العراقي: "إذا ذهبنا إلى المحكمة الاتحادية للطعن في الاتفاقيات الدولية، فمن الطبيعي أن يؤثر ذلك على علاقات العراق مع تلك الدول ومصداقيتنا في المجتمع الدولي، فإلغاء العقود والطعن فيها سيجلب الكثير من المشاكل، وسيكون له عواقب وخيمة على العراق، ولذلك، يجب أن نتعامل بتوازن وحكمة في كل القضايا، بما في ذلك الاتفاقيات الدولية".
كما حذّر نبيل المرصومي، الباحث السياسي العراقي: "إذا تم تحدي الإطار الاستراتيجي للاتفاق بين العراق والولايات المتحدة، فمن المتوقع أن يفقد الدينار العراقي قيمته أمام الدولار".
بدوره حذّر كاظم البديري، المحلل السياسي، من عواقب تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة على الاستقرار الاقتصادي والأمني في العراق، وشدّد على صعوبة التوجه إلى المحكمة الاتحادية.
وأضاف البديري إن "طبيعة العلاقات والمواقف بين بغداد وواشنطن مختلفة تماماً، فهناك علاقة إيجابية مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وهذا ما اكتشفناه في لقاءات السوداني مع السفيرة الأمريكية في بغداد ألينا رومانوفسكي.
ومن ناحية أخرى، يعتزم السوداني أيضاً السفر إلى أمريكا خلال الأشهر القليلة المقبلة لتوقيع العقود الجديدة"، ويرى هذا الخبير العراقي أن البرلمان ربما لن يلجأ إلى المحكمة العليا لتقديم شكوى ضد الاتفاقية.
رغم تحذير خبراء عراقيين من مغبة إلغاء الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة، لكن الإطار التنسيقي للشيعة، الذين يملكون أغلبية البرلمان، لا يتحمل بأي شكل من الأشكال وجود الأمريكيين، والأولوية الأساسية لهذه اللجنة هي طرد قوات الاحتلال.
حتی إن أحد شروط الإطار التنسيقي مع رئيس الوزراء شياع السوداني، كان استكمال قضية طرد القوات الأمريكية في أسرع وقت ممكن، وقد صرح السوداني نفسه مرات عديدة بأن العراق لا يحتاج إلى قوات قتالية أجنبية.
لذلك، إذا تمكن النواب من التوجه إلى المحكمة العليا وإثارة هذه القضية مرةً أخرى، فإن الحكومة مطالبة أيضًا بمتابعتها، ومع ذلك، فإن مخاوف الخبراء ليست بلا أساس، لأن التجربة أظهرت أنه كلما اشتدت ضغوط العراقيين على الولايات المتحدة، تحاول الأخيرة الضغط على بغداد وتنفيذ خططها الشريرة، من خلال تعزيز الجماعات الإرهابية وتأجيج الاحتجاجات في الشوارع.
وهذه المرة أيضًا، ليس من المستبعد أن تكون هناك سيناريوهات أسوأ على طاولة مسؤولي البيت الأبيض، ولکن رغم كل هذه التكهنات فإن مطلب الشعب العراقي، وهو الانسحاب غير المشروط للأمريكيين، هو الأولوية.