وفي هذا الصدد، برز آية الله السيد علي السيستاني، المرجع الأعلى لشيعة العراق، الذي تألق دوره في مواجهة الأزمة الكبيرة المتمثلة في انتشار الإرهاب التكفيري، وكان الضامن لإنقاذ العراق والمنطقة من الخطر، هذه المرة أيضا وعمل بواجبه الديني، وتحدث عن المخاطر التي خلقها الكيان الصهيوني على المنطقة.
ودعا آية الله السيستاني، اليوم الاثنين، في بيانه حول هجوم الكيان الصهيوني على لبنان، إلى التضامن الواضح مع الشعب اللبناني ومساندته ضد العدوان الصهيوني وجهود وقف العدوان الإسرائيلي والتخفيف من معاناة الشعب اللبناني.
جاء في بيان آية الله السيستاني: في هذه الأيام الصعبة التي يواجهها شعب لبنان الكريم ويتعرض على نطاق واسع لعدوان غاشم من "إسرائيل"، بما في ذلك انفجار عدد كبير من أنظمة الاتصالات الشخصية والهجمات على مناطق سكنية مليئة بالمواطنين والنساء والأطفال، فضلا عن هجمات شديدة على عشرات القرى والبلدات في الجنوب والبقاع، واستشهد حتى الآن عدد كبير من المقاومين والمدنيين الأبرياء، ونزح الآلاف من الأهالي من منازلهم ومناطقهم.
وجاء في هذا البيان أيضاً: نتضرع إلى الله العلي القدير أن يحفظهم من شر ومكر الأشرار، ونسأل الله الرحمة والمغفرة للشهداء والشفاء العاجل للجرحى.
وفي بيان آية الله السيستاني، "يتم التأكيد على ضرورة بذل أقصى الجهود لوقف هذا الهجوم الهمجي المستمر ونصرة الشعب اللبناني من نتائجه المدمرة ويطلب من المؤمنين أن يحاولوا تخفيف معاناة الشعب اللبناني وتلبية احتياجاتهم الإنسانية".
لقد تم استخدام محتوى رسالة آية الله السيستاني بحيث لا تكون مجرد دعوة لشعب العراق، بل دعوة لجميع المسلمين للانضمام إلى هذه العملية.
وقد طلب آية الله السيستاني من المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات فورية لوقف هذه الوحشية في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، عندما بدأ الكيان الصهيوني بمهاجمة غزة، لكن البيان الأخير بشأن التطورات في لبنان ليس مجرد طلب، بل هو أيضا إجراء عملي وعاجل للمسلمين ضد العدو المحتل.
الشعب العراقي يلبي نداء المرجعية
لقد كانت مواقف آية الله السيستاني وفتاويه دائما فصل كلام ودليلا لأتباع الشيعة وحتى العديد من العراقيين الآخرين من الديانات الأخرى، وقد استطاعت آراء هذه المرجعية الشيعية العراقية الكبيرة أن تغير وتحول الكثير محليا وإقليميا المعادلات.
والمعروف عن آية الله السيستاني بفتواه التاريخية ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، فبمجرد أن هاجمت هذه الجماعة العراق في يونيو/حزيران 2014، دعا الشعب العراقي إلى الوقوف ضد هذا الورم السرطاني، وخلال هذه الفتوى المهمة، خرج مئات الآلاف من الشيعة العراقيين إضافة إلى السنة والمسيحيين إلى جبهات القتال في شكل حشد شعبي وتمكنوا من القضاء على إرهابيي "داعش" وإعادة الاستقرار والسلام إلى بلادهم، حيث إن الأمن الذي يسود الآن في العراق وسوريا يعود إلى جهود آلاف الشباب الذين ضحوا بحياتهم دفاعاً عن مرقد الأئمة.
وقالت السلطات العراقية مراراً وتكراراً في خطاباتها إنه لولا فتوى آية الله السيستاني لسقطت بغداد في أيدي "داعش"، لأن الجيش فقد القوة والحيلة اللازمة للتعامل مع الإرهابيين، وكانت قوات الحشد الشعبي هي التي دفعت الإرهابيين بفتوى المرجعية من بركات المرجعية الشيعية في تأسيس الحشد الشعبي، والخدمات التي قدمتها هذه الجماعة في السنوات الأخيرة، جعلت حتى معارضي الحشد الشعبي يعترفون بدور المرجعية في تجاوز أزمة الإرهابيين.
لذلك، وحسب الذاكرة التاريخية الحلوة للعراقيين من آثار دخول الحرب ضد "داعش" وعودة المعادلات المفاجئة نحو انتصار الأمة العراقية، فلا شك أن تصريح آية الله السيستاني شجع الشعب العراقي بمزيد من الوحدة والإصرار على تقديم الدعم الشامل للبنان وغزة.
ولهذا السبب، استجاب الشعب العراقي هذه المرة على الفور لنداء قائدها وأبدى استعداده لدعم شعب لبنان وغزة.
وبهذا الخصوص أصدر رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض بيانا وأكد: تلقينا بيان آية الله السيستاني حول عدوان الكيان الصهيوني الغاشم على لبنان، ونعلن استعدادنا الكامل لأي مساعدة طبية وإنسانية ونقوم بتقديم المساعدة لإخواننا في لبنان.
وبين أن هذه المساعدات تأتي تلبية لطلب المرجعية الدينية ومن منطلق الواجب الإنساني والديني، وطالب الفياض كل أبناء الشعب العراقي بمساعدة الشعب اللبناني بعد التنسيق مع الحكومة العراقية والجهات الرسمية.
في المقابل، شهدت المدن العراقية من الشمال إلى الجنوب حملات تطوعية واسعة لدعم الشعب اللبناني، كما فتحت الحكومة العراقية حدودها أمام اللبنانيين وأكدت استعدادها لاستقبال اللاجئين وتسهيل إجراءات الإقامة والدخول إلى العراق.
وترد مجموعات الحشد الشعبي على بيان آية الله السيستاني، فيما بدأت هذه المجموعات هجماتها على القواعد الأمريكية والمناطق الاستراتيجية في الأراضي المحتلة دفاعاً عن الشعب الفلسطيني منذ بداية حرب غزة.
لكن عمليات المقاومة في الوقت الحاضر تتعدى عملية سنة واحدة ضد المحتلين في لبنان وغزة، وهي في الأساس نوع من الفتوى الدينية لجماعات المقاومة لزيادة نطاق الضغط على العدو الصهيوني.
سد المرجعية في مواجهة الفتنة الأمريكية الصهيونية الجديدة في المنطقة
إن تصريح آية الله السيستاني الأخير هو أيضًا نوع من الفتوى شبيهة بفتواه ضد "داعش"، وقد طالبت المرجعية من المجتمع الدولي إيقاف آلة القتل الصهيونية، فقد شعرت المرجعية الشيعية بخطر أنه إذا لم يتم إيقاف وحشية الكيان الصهيوني، فإن المنطقة ستواجه أزمات جديدة.
في نفس الوقت، تحاول "إسرائيل" وأمريكا إضعاف فصائل المقاومة في المنطقة، ومن خلال تغيير المعادلات الأمنية والعسكرية والسياسية في المنطقة، سينقذان الكيان من المأزق الاستراتيجي الذي وقع فيه والذي أظهر أفق انهياره في المستقبل.
وبدعم من أمريكا لا يتردد الصهاينة في إشعال النار في المنطقة برمتها لإنقاذ أنفسهم من المأزق، ومن الطبيعي أن يكون العراق كغيره من البلدان الإسلامية المهمة على رأس قائمة مؤامرة صنع الأزمات.
ومن المؤكد أنه إذا وجدت مخططات الكيان الصهيوني الفاشلة في غزة والضفة الغربية ولبنان مجالا لتحقيقها، فإن هذه الأزمة لن تقتصر على حدود الأراضي المحتلة، بل ستكون العراق وسوريا واليمن جزءا من مشروع زعزعة الاستقرار في الجهات الفاعلة التي تتحدى أمن الكيان، أضف إلى ذلك أن رؤساء الكيان الصهيوني البغيض قد تجاوزوا كل حدود الشر والقهر في ارتكاب الجرائم، وقد أدى هذا الموضوع إلى فرض واجب جدي على المسلمين باعتباره فريضة شرعية أكثر من غيرهم من شعوب العالم.
ولذلك فإن المرجعية الشيعية، وهي على علم بمخططات العدو، تحركت مرة أخرى في لحظة تاريخية لتوعية المسلمين بمخاطر الغزاة والوصفة التي رسموها للمجتمعات الإسلامية، ولذلك، فإن مهمة كبيرة على عاتق جميع مسلمي العالم أيضاً وهي إيقاف آلة القتل لكيان الاحتلال قبل فوات الأوان، لأنه وفقا لنهج الحكومة المتطرفة للكيان الصهيوني، هناك مخاوف من أنه مع احتلال غزة والهجوم البري على لبنان، فإن الأراضي الإسلامية الأخرى سوف تعاني من المصير نفسه.
وبما أن مجموعات المقاومة العراقية وجهت ضربات موجعة لكيان الاحتلال، فإن احتمال الصراع بين الجانبين أصبح أكثر من أي وقت مضى، ولذلك تحاول المرجعية العراقية منع الفتنة قبل أن ترمي المنطقة بأكملها في حالة من الفوضى، بسبب رعونة الاحتلال الأعمى.
لقد أثبتت مجموعات المقاومة العراقية أنها مستعدة للدفاع عن العراق والأمة الإسلامية حتى الموت، وكانت قد أعلنت في الأشهر الأخيرة استعدادها للذهاب إلى غزة، وهناك احتمال أنه إذا استمرت جرائم "إسرائيل" فيجب ذهابها إلى لبنان.
كما أعلنت صحيفة هآرتس اليوم الأربعاء في تقرير لها أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تشعر بالقلق إزاء وجود 40 ألف مقاتل من اليمن والعراق وسوريا في الجولان المحتل، وحسب هذه الصحيفة العبرية، فإن هذا العدد من القوات موجود في سوريا وينتظر إشارة السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، للدخول مباشرة في المعركة مع "إسرائيل".
وسيبقى العراق داعماً للبلدان الإسلامية
ومن الجدير بالذكر أنه في أيلول/سبتمبر 2021، عقدت بعض المجموعات السياسية الكردية اجتماعاً في مدينة أربيل، مركز إقليم كردستان، حول موضوع تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وشارك في هذا الاجتماع نحو 300 شخصية ثقافية وسياسية عراقية شيعية وسنية، من بينهم عدد من زعماء العشائر من مختلف المحافظات، الذي لاقى معارضة واسعة من قبل الحكومة العراقية والتيارات السياسية الأخرى.
وبعد هذا الاجتماع أصدر مجلس القضاء الأعلى العراقي أمرا بالقبض على ثلاثة من منظمي هذا الحدث، كما وافق البرلمان العراقي، في جلسته، على مشروع قانون يعتبر تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني جريمة.
ولذلك فإن تصريح آية الله السيستاني بدعم الشعب اللبناني إنسانيا هو أيضاً نوع من حشد الناس في العراق لاتخاذ موقف تجاه الصهاينة، لأن السكوت أمام كيان قتل الأطفال لا معنى له في قاموس الشعب العراقي المتدين الأبي.