ونقلت وسائل إعلام تركية عن إردوغان، قوله للصحافيين أثناء عودته من روسيا، إنه طلب من بوتين «المساعدة في ضمان تواصل مع الرئيس السوري، بشار الأسد، لتطبيع العلاقات». وأعرب عن أمله في أن تتبع دمشق «نهجاً بنّاء» وتتخذ «خطوات إيجابية»، قائلاً: «نتوقّع أن تتّخذ دمشق خطوات من منطلق إدراكها بأن التطبيع الصادق والحقيقي، سيعود بالنفع عليها أيضاً»، مضيفاً أنه ينتظر الوقت لمعرفة نتيجة ذلك.
وتبع تصريحاته تلك، اجتماع أمني موسّع عقده فور عودته، للوقوف على آثار الهجوم الذي تعرّضت له الشركة التركية، والذي فتح باباً جديداً على «قسد»، بعدما أغلقت الحرب الإسرائيلية باباً يشكّل تهديداً وجودياً عليها، في ظلّ التوافق السوري - التركي - الروسي على رفض مشروع «الإدارة الذاتية» الكردية، المدعومة أميركيّاً.
وإذ حاول الرئيس التركي التذكير بهذا الأمر عبر تأكيده وجود دور أميركي في «احتضان الإرهاب»، فهو اعتبر أن الولايات المتحدة تحمل هذا «التنظيم الإرهابي» بين ذراعيها، داعياً إياها إلى التخلّي عن موقفها. وقال: «المناقشات حول الانسحاب الأميركي من المنطقة مستمرّة منذ مدة طويلة»، مضيفاً: «أصبح واضحاً أن الانسحاب سيكون تكتيكياً وليس انسحاباً إستراتيجياً»، وهو ما يمثّل تحدّياً كبيراً تسعى أنقرة عبر تطبيع علاقتها مع دمشق إلى مواجهته.
وجاء حديث إردوغان المستجدّ عن تطبيع العلاقات مع سوريا، في أعقاب جولة وساطة اضطلعت بها روسيا والعراق، كما إيران، ووصلت إلى حدّ دعوة الرئيس التركي إلى عقد لقاء مع نظيره السوري، رفَضه الأخير، على اعتبار أنه «لا يحقّق أيّ شيء في ظلّ عدم التوافق على جدول عمل واضح ينتهي بانسحاب القوات التركية غير الشرعية من سوريا». وتخلّل تلك الوساطات إعداد خطّة عمل تهدف إلى وضع تعريف مشترك للإرهاب بين البلدين، وتحديد القضايا الخلافية وسبل تجاوزها، وعلى رأسها الوجود غير الشرعي للجيش التركي في الشمال السوري، ودعم أنقرة للفصائل المسلحة، وعلاقتها مع تنظيمات إرهابية أبرزها «هيئة تحرير الشام».
وضمن مساعي أنقرة إلى التقارب مع دمشق، بشكل يحقّق لها أيضاً مصالحها، عبر فتح الباب لبدء عودة اللاجئين، فهي حاولت فتح معبر بين مناطق سيطرة الفصائل ومناطق سيطرة الحكومة السورية (معبر أبو الزندين)، لتقابَل خطوتها تلك بتمرّد فصائلي تسبّب في تأجيلها إياها بضعة أسابيع، قبل أن تتمكّن، وبعد الدفع نحو نزاع فصائلي، من حلّ الفصيل المعارض لافتتاح المعبر، والحصول على تعهد من فصيل آخر (الجبهة الشامية) بعدم الاعتراض على هذا الإجراء، ليتم أخيراً افتتاح «أبو الزندين» بذريعة «تسهيل مرور القادمين من لبنان».
وتؤكد مصادر ميدانية، لـ«الأخبار»، أن إجراءات عدة ستتخذ مستقبلاً، من بينها افتتاح معابر أخرى، ومحاولة إعادة ربط المناطق السورية، تمهيداً لخطوات أوسع وفقاً للتوافقات السياسية المرتقبة، والتي أخّرتها حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة من جهة، وتمسّك دمشق بوضع أساس واضح للحوار مع أنقرة.
ميدانياً، تابعت تركيا حملة التصعيد العسكرية ضدّ مواقع تسيطر عليها «قسد»، عبر تكثيف الغارات الجوية والقصف المدفعي والصاروخي.
وبحسب مصادر ميدانية كردية، فقد طاول القصف التركي الذي شمل الشريط الحدودي في شمال شرق البلاد، عدداً من البنى التحتية، من بينها مراكز لتكرير وتخزين النفط، وصومعة قمح، بالإضافة إلى عدد من المنشآت الخدمية، ومن بينها محطات تحويل كهرباء. وتستخدم تركيا في هجماتها، كما جرت العادة في العامين الأخيرين، الطائرات المسيّرة - والتي تحظى بحريّة كبيرة في الحركة، بموجب قبول أميركي غير معلن -، في مسعى إلى خفض الخسائر البشرية إلى الحدود الدنيا.
وتسبّب القصف التركي المستمرّ في مقتل وإصابة عدد من المدنيين، إلى جانب الدمار الكبير الذي أحدثه، في وقت تبنّت فيه «قسد» هجوماً شنّه مقاتلون تابعون لها على نقطة يتمركز فيها مقاتلون سوريون وأتراك في ريف زركان في ريف الحسكة.
وقالت إن هذه العملية تأتي رداً على الهجمات التركية، مشيرة إلى أن عدداً من الجنود الأتراك ومسلحي الفصائل السورية قُتلوا خلاله، وهو أمر لم تؤكده أو تنفه تركيا أو الجماعات السورية التابعة لها حتى الآن.