أولا: لقد أمضى الجنرال كوريلا خمسة أيام متصلة فيما أطلق عليه (سلسلة من الاتصالات عالية المستوى) شملت إسرائيل والأردن وقطر والسعودية والإمارات والمكون العسكري الهجين في اليمن، من بينها يومان كاملان في إسرائيل وحدها.
ثانيا: أن كافة هذه الاتصالات ضمت من جانب هذه الدول، رؤساء أركان جيوشها، ولم يشارك فيها وزراء الدفاع، بمعنى أن الاتصالات أو المناقشات أو توزيع المهام كانت ذات طبيعة عسكرية خالصة، لكنها في إسرائيل استثناءا ضمت إلى جانب رئيس الأركان (أيال زائير) الطاقم الرئيسي في الجيش الإسرائيلي، أي هيئة العمليات وقادة الأفرع والمخابرات، كما أنها في الأردن تحديدا ضمت إلى جانب رئيس الأركان (يوسف الحنيطي) قائد سلاح الطيران (محمد حياصات) أما في الإمارات فقد اقتصرت على رئيس المخابرات (طحنون بن زايد) مما يعني التركيز على قضايا ذات طابع أمني بالدرجة الأولى.
ثالثا: بالنسبة لتوصيف المناقشات التي استمرت يومين في إسرائيل، استخدم البيان تعبيرا متفردا لم يتكرر في توصيف أي مناقشات أو اتصالات تمت في أي محطة سواها، وهو تحديدا مناقشة (قضايا الأمن الإستراتيجي في أنحاء المنطقة) لكنه استخدم في حالة الأردن تعبير (الوضع الأمني المتطور في المنطقة ) وفي حالة السعودية (المخاوف الأمنية المشتركة) وفي حالة قطر (قضايا الأمن الإقليمية) وفي حالة الإمارات ( التحديات الأمنية في المنطقة) وفي حالة المكون الهجين في اليمن (العمليات الحالية من أجل استعادة الملاحة في البحر الأحمر) وهو ما يعني أن المناقشات في إسرائيل كانت إستراتيجية الطابع، بينما كانت في المحطات العربية أقرب إلى التكتيك في إطار مهام محددة خاصة، أي أن هناك خريطة عسكرية ذات طابع إستراتيجي تمت مناقشتها والتصديق عليها بين القيادة المركزية الأمريكية وهيئة العمليات في إسرائيل مجتمعة، ثم تم توزيع مهامها الفرعية والتكتيكية على هذه الجيوش أو المكونات العسكرية والأمنية العربية، كل حسب دوره الوظيفي فيها، مع ملاحظة إضافة دور مستجد للقوات الجوية القطرية.
رابعا: ثمة تعبير متكرر بصيغة موحدة فيما يتعلق بجميع هذه الاتصالات عالية المستوى بين الجيش الأمريكي وهذه الأطراف بما في ذلك إسرائيل هو (زيادة التشغيل البيني) أي زيادة الاندماج الوظيفي العسكري.
خامسا: عكس البيان الأوزان النسبية لهذه الأطراف العسكرية العربية بالنسبة للإستراتيجية الأمريكية في المنطقة على النحو التالي:
1. الأردن (شريك إستراتيجي ثابت وموثوق به)
2. قطر (شريك متمكن ومستعد في المنطقة لأكثر من خمسة عقود)
3. السعودية (التزام متبادل بمعالجة التهديدات الإقليمية)
4. الإمارات (واحدة من شريكين رئيسيين للدفاع في الولايات المتحدة الأمريكية) أي نسبيا إسرائيل أخرى إقليميا
سادسا: ما هو الهدف المباشر عسكريا من هذا التحرك المكثف في اللحظة الراهنة؟
يجيب البيان (تعزيز الردع من خلال بناء قدرات متكاملة في جميع أنحاء المنطقة) والسؤال ردع من؟! المقاومة في غزة، أو حزب الله في أوضاعهم الراهنة، أم إيران وقد دخلت في مفاوضات مع الولايات المتحدة، أم أنصار الله في اليمن وقد هشموا واجهة الردع الأمريكي وما يزالون.
سابعا: لقد تم التسويق علنيا في بيان عسكري أمريكي باسم الجيش الأمريكي لمتغير إستراتيجي كبير، يرمي بظلاله القاتمة فوق أضلاع المسرح الإستراتيجي الواسع للإقليم، وفق صيغة واضحة للاندماج العسكري الميداني والعملياتي، بين القوى الإقليمية المنخرطة فيه، والتي تضم إلى جانب الجيش الأمريكي والجيش الإسرائيلي، جيوش الأردن وقطر والسعودية والإمارات، مع مكون عسكري هجين من الإخوان والقاعدة والمرتزقة في اليمن، وهو أمر يتقاطع تماما مع الأمن القومي العربي، ويعني انفراطا كاملا للنظام الإقليمي العربي، ولذلك لا سبيل إلى غض الطرف عنه أو تجاهله أو اعتباره شأنا ذاتيا خاصا بأصحابه وتابعيه ومُريديه.
ثامنا: لك أن تلاحظ أن الجيش المصري قد أقتطع من جولة كوريلا، ومن سلسلة اتصالاته عالية المستوى، أو أنه على نحو أدق قد أقتطع نفسه من كليهما، وبالتالي من بيان القيادة العسكرية المركزية الأمريكية، فهو ليس خارج البيان فحسب بل هو خارج مكوناته، وتشكيله وخرائطه وأهدافه، مع ذلك فقد حاولت الولايات المتحدة أن ترتق الفجوة بين البيان ومكوناته وأهدافه وبين الجيش المصري بإبرة صدئة كانت اتصالا متزامنا بين وزير الدفاع الأمريكي ووزير الدفاع المصري ، لكنه لم يكن أكثر من معزوفة صماء.