رغم أن دمشق تتعاطى مع الغارات الإسرائيلية ضمن إطار "السباق الإقليمي" وشروط "بناء الثقة"، فإن الواقع لا ينبئ بخطوة محسومة. فامتلاك إسرائيل قدرة متزايدة على التجسس من داخل عمق الأراضي السورية يعزز الضغط الذي يمارسه هذا التصعيد. ويبدو أن الهدف المعلن يكاد يكون مباشرًا: ابتزاز مباشر للدولة السورية وكأن المنطقة لم تشهد حربًا أهلية وانهيارًا أمنيًا سابقًا.
في الاتجاه نفسه، تسري المخاوف الشعبية من أن إسرائيل قد دفعت عملاء محليين للانخراط، ما يعزز التنظيم الاستخباري في عمق البلد. ترد دمشق بصمتها، الذي يفسره بعض السياسيين بأنه "رسالة ضعف" أو درب عبور لمرحلة ما قبل تسوية إقليمية جديدة، فيها فرصة للتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي بشروط مختلفة.
الانسحاب الأمريكي من الجنوب السوري، مقابل ترك تنف كقاعدة مستمرة، يأتي في هذا السياق. فواشنطن لا تبتعد عن سوريا، بل تحافظ على آليات سلطة رمزية—مفتاحها التنف—تمنحها القدرة على التأثير والاستثمار السياسي والعسكري في أي ساحة تصعيد قادمة.
وفي المحصلة، تتحرك إسرائيل في "نمط تشكك" من موقف سوريا الرسمي، وهو موقف يطلق شبه رسمي عبارات "نطالب بالرد"، تاركًا المنطقة تهتز. ومع كل ضربة، يُعاد رسم التقسيم الأمني، ويُعاد ترتيب تبعية حلب والتنمية في الجنوب وربما غرب العراق، ومعها مستقبل التوازنات في سوريا والمنطقة