التصعيد الطائفي والهجومي
الفصيل الذي تقف خلفه أسماء مستعارة تحمل طابعًا إسلامياً متطرفاً، أعلن عن هيكليته الإعلامية بتعيين “أبو محمد القرشي” زعيماً للجناح الإعلامي. وهو اسم يثير صدىً مع تنظيمات داعش، رغم إنكارهم أي صلة بها. هذا القسم الإعلامي الجديد بما فيه مؤسسات مثل «دابق» و«العاديات» و«صحيفة الشام» يسعى لتبرير عمليات القتل والخطف، وتوظيف فتوى شرعية تبيح التهجير والقتل الطائفي.
في بيانه، شنّ الفصيل تهديدات مباشرة ضد المسيحيين والعلويين والدروز، واصفاً الكنيسة بـ"المستنقع الهزيل"، مهدداً بطرد هؤلاء من "الأرض الطاهرة" وإطلاق "نار تبتلعكم".
التصدّع المؤسسي واستمرار الجرائم
في الوقت ذاته، تتوالى حوادث القتل والخطف في الساحل السوري والمناطق الوسطى، وكأنها ارتداد أمني أمام التفكّك الواضح. تقارير محلية تشير إلى مقتل مئات المدنيين مؤخراً، مع تصاعد الاعتداءات على أفراد من الأقليات وممتلكاتهم، في ظل غياب رقابة فعّالة أو حماية من الفصائل شبه المسلحة.
حدث أن اختطفت شابة تُدعى ليزا إبراهيم، بينما كان مسلّح يتبع لحاجز تابع لوزارة الدفاع يطلق النار على مزارعين في جبلة، مما أدى إلى مقتل شاب وجرح آخر. وساعد الضغط الشعبي في اجتثاث الحاجز ونقل العناصر المتورّطة، كما وعدت الوزارة بالتحقيق القضائي.
استنزاف الأمان ودور المقاتلين الأجانب
رغم جهود السلطات الحديثة لدمج ما يقرب من 3,500 مقاتل أجنبي (بما في ذلك من الأويغور) داخل هيكل رسمي تابع للدفاع، فإن هذا التحوّل يقترب أكثر من تغطية الوجود الفعلي لهؤلاء ضمن أجهزة الوزارة، وليس حلاً فعليًا لانقسام توازن القوة في الميدان. الجماعات المسلحة لا تزال تحافظ على نفوذها ومظلتها المسلحة، مهما حملت من غطاء مؤسساتي.
واقع شمولي من التهديد والتفكّك
النتيجة أن المشهد السوري يكاد يصبح بلا هيبة أمنية أو سيادة حقيقية، خاصة في مناطق الأقليات. عمليات التفتيش والمضايقات والحظر الليلي، إضافة إلى جرائم الخطف والقتل المنتظمة، بدأت تستحضر مخاوف من ازدياد أشكال العنف الطائفي، وحتى من خطر تشويه ديموغرافي ممنهج.
يفرض هذا الواقع على السكان المدنيين الشعور بانعدام الأمان، وتتحوّل المناطق الغربية إلى ساحة قتال واقعي بين سلطة هشة ومجموعات مسلحة تفرض قوانينها الخاصة.
التوجه نحو نمط جديد من المقاومة
إزاء هذه الحالة الأمنية المتدهورة، يبدو أن السلطات قد تجد نفسها مجبرة على تعزيز دور الجيش النظامي والقوى الرسمية، والعمل على تأسيس آليات محلية ودولية للمراقبة والتحقيق والاستجابة السريعة. أما على المدى البعيد، فإن أي حل يستهدف السيطرة الكاملة على الأراضي والأقليات، يتطلّب إحداث تغيير جذري في الهيكل الأمني، يفصل الهيئة الشرعية والسياسية عن النفوذ السلطوي الفصائلي الراهن.
قد يكون ذلك الطريق نحو إعادة إنتاج الأمن العام وحماية المواطنين، عبر إصلاحات مؤسساتية عميقة، وربط دمج المقاتلين الأجانب بآليات شفافة للمساءلة والمحاسبة.
في النهاية نجد أن خطر تصاعد تهديدات أنصار السنّة لم يعد مجرّد فعل إرهابي فحسب، بل يمثل بوابة لعصر جديد من تفكّك الدولة وتحلّل قواها الأمنية، يدفع السكان نحو الخوف والعزل، ويزيد من منسوب التوتر الطائفي، متيحاً للجماعات المسلحة فرصة لترسيخ وجودها داخل النظام الجديد.